لم أكن اتقن التعبير عن مشاعر قلبي بالنطق أبداً، اكتمها كثيراً، ثم أنفجر في خلوتي حين الكتابة، هكذا كنت و لا زلت، أضمر أفراحي و أحزاني تحت صفائح قلبي، لكي أتقطع محزوناً على مذبح الكتابة و النصوص لاحقاً، فتطورت –بعد مدة– علاقتي مع النص، حتى أمسيت أرى من خلاله ما هو أعظم من حروفٍ متشابكة مرسومة، و هكذا كانت الأزمنة تمنحني الفرصة بالخوض في قعر هذه العلاقة، بالعمق، أصبحت أبصر في العتمة فعلاً، أحاسيس الكاتب و عنفوان مشاعرة المتسترة، أتقنت حشو ذاتي بين نصوصي، ثم افترضت أن الجميع مثل ذلك يفعلون، أتعلم؟ حتى أنني لم أتكلم مع صاحب قلبي منذ أشهر، اكتفيت بان اقرأ تدويناته التي يكتبها وحيداً في موقعه النائي بين أمواج بحر الشبكة المعلوماتية، يوماً بعد يوم، كنت أتحجب خلف سرابيل خوفي من فشل الأفكار، من أن يُرْفَضَ احساسي، لذلك ألوذ بالصمت -كما أسلفت-، ببساطة أنتظر تدويناته الذي يكتبها بين فترات متباعدة، يكتب بإحساس عميق، لست أدري أهو يكتب أم يصيّر روحه حِبرا!! من مدة إلى مدة، أترقب النصوص، لأعلم لاحقاً مقدار ألمه، استشعر ذلك، لكنني كالعادة، فاشل في التحدث عنها، فاصمت.

تمضي الحياة، كحالة الأيام عندنا، كان هذا الصباح مليئاً بالرطوبة حد التشبع، على صوت الطيور المرعوبة من الهلاك، كنت قد صافحت شمس الشروق بوجه مبتسم، ابتسامة لم تدم كثيراً، فبعد رحلة وجيزة للتعرف على الوجه الزراعي للوطن ارتئيت أن ارتاح قليلاً، أشرب كوباً من القهوة، و اتنقل بين جنبات مواقع التواصل الاجتماعي، من صفحة لأخرى، موضوع لآخر، صدمت بتدوينة جديدة له! لم تكن كسابقاتها، فالعنوان وحدة يحكي الكثير، “مختصر ثلاث شهور”، لم تكن الحياة يوماً تحكى بالمختصرات، لكن من بات يعيش الكثير من التفاصيل حريٌّ به أن يحكي هكذا لكي يختم نصه، فلو أسهب المرء لنفذ الحبر منه، و إن كان حبره روحه!!! فذلك خطيرٌ فعلاً، “الحال يتغير من ساعة لي ساعة ثانية ف شلون في ثلاث اشهر؟ …”، بل إنه يتغير كل ثانية، كل جزءٍ منها، بداية كهذه هي مدخل واسع للصرف و الجمع، عذرٌ ثابت، فلعل الأفكار التي تليه أدهى، لكن التبرير ثابت، دوام الحال من المحال، لذلك تتغير الآراء فضلاً عن تغير الأنفس، كلمة بعد أخرى، كنت أهيم، هذه التدوينة غريبة، هي إعلان حياة جديدة، إن كان كاتبها يعنيها، فهو للتو قد خله حلته السابقة، ليكون فرداً جديداً ضمن سطورٍ مكتظة يعمل على مسحها أو التماهي معها، كانت القهوة التي بين يدي مرّة، كما أحبها دائماً، أشربها ريثما أتابع القراءة، المواضيع تتعدد، تأثيرات الزمن، تأثيرات المكان، الشخوص و تشكل الفكر، تمضي الحروف في سبيلها، أرتشف قليلاً من كوبي، ثم أتابع القراءة، لم تكن الأمور سوى ذكريات، ضخ في الذكريات، تعلق القلوب، فراق الوجوب، تمسك الأمل، المدد القصيرة تمسي طويلة إن حملت معها الروح بعيداً، هكذا ختم النص، لكن الخواتم -بعض الأحيان- تهجر البدايات، فإن كان الشعور يمتطي صهوة الزمن فارساً، رغم تحدب الحياة أو تقوقعها، فالمشاعر أكبر دليلٍ على أن الأزمنة قد لا تغيرنا بالضرورة، قد تجبر الكسور، قد تلتأم الجروح، و قد يحدث غير ذلك، لكن الزمن لا يقوى على القلوب، فالمشاعر أكبر من أن تذبل بالسنين، الشخوص قد تمضي، ليعترينا الوجع، يعيش معنا دهراً، ندمن عليه، لكننا بلحظة تأمل واحدة قد نحيي من أسفل الغياهب شعوراً كان قد دفن، لتستمر الحياة، فلا قانون يحكمها، نحن نقرر، لا الزمن يفعل ذلك، كما أنتهى كوب قهوتي، كنت قد اكتفيت مما اقرأ، و لعلي حنها قد حزمت على الرد، على أن اتحدث عن شعوري، لأقولها بصدق و شجاعة، “القلب … مستودعك”، جملة لطالما جلجلت صدري، القلب هو الحصن من جور السنين، لكنني كالعادة، فاشل في التحدث، فصمت.

2 Comments

  • مجهول says:

    هكذا نحن معشر الفنانين، نشعر بمشاعر نجد صعوبة في ترجمتها لكلام أو لتصرفات، فنتجه للكتابة والرسم وللموسيقى حيث نجد مخرجا نوجه به مشاعرنا

    نختلق لنا عالما نستئنس به في وحدتنا ولا نستشعر فيه بالوحدة

    • Jalhaddad says:

      لكلٍ عالمه الخاص، كم الأفكار الذي يغشينا كفيل بخلق الحياة… الفنان مسجون بعالمه “بذاته” … هي عين الحياة !

Leave a Reply