و ليس هم الغرباء …

By 03/12/2014April 26th, 2016نصوص سردية

قذفها من على جسده ، ثم هرول ليلتقطها بعد ما أدرك انها خرقته الزرقاء -التي اهدتها والدته له قبل المنية-، وسّدها على فراشه، أغلق قميصه، أوطد ربطةُ حذاءه، أوصد البواب، و تسيّد الشارع يترنّح من ثقل هموم الدنيا، و لعل القدر ابتسم له حينما اوحى لنفسه بنفسه أن احمل مظلتك معك فالسماء قد تمطر كما قيل في إذاعة الصباح، إنها الحادية عشر مساءً، على بعد حينٍ من مركز العاصمة، إستوحد بنفسه في شارعٍ ضيقٍ بين أزقة المنامة، بين هطول قطرات الغيث نحو مضاجعها، يحمل مظلته كما يحمل همه، يخترق بها جبال الرطوبة المحيطة، يفكر حينًا في كيفية إقناع كفيلة بتجديد فيزا إقامته و في أحايين أخرى يدفع شياطين نفسه من أن تسيطر عليه، يسير، و لا يدري أين المسير، في ظلمة الأزقة و ضيقها، قطرةً بقطرة، توحش المطر، قطراتٌ مثقلة بثقل ذنوب الدنيا، تملأ أهوال الكون، هنا، كان كله يجتمع، وحدته و هيجان الدنيا، همه و ثقل الشتاء، حينها تراءى له، كضعف عود ثقاب و في هيبة رجلٌ سامي، شابٌ عشريني يجر جده على كرسيٍ متحرك، و يطوف به بين بقع الماء، حاسرا الرأس، يخضبهما ماء المطر، “أيا جد … هكذا صفينا، وحيدين نتسامر في ظلمة الليل و ريحة الأخلاء بين المطر الثقيل” أسقط الشاب كلماته على جده، فسارع الغريب و غطاهما، غطاهما، غطاهما حتى استراح الجد من المطر في داره، حتى علق لسان الشاب عن التعبير له بحسن خلقه، حينها أثنى عليه الجد –هكذا أصلاته كانت-، ابتسم و نبرى يكمل مساره لوحده، هكذا هم الوحيدون، غرباء … راحلون، و ما طريق رحيلهم إلا مسار، مسار يملئونه خيرا، هم العظماء.

Leave a Reply